الغرفة الأكثر هدوءًا
قد يستمع الناس إلى أنفسهم أحيانا، فينعزلون في بيئة هادئة ويستمعون إلى الأصوات القادمة من داخلهم.
هل ترغب حقًا في الاستماع إلى الأصوات الصّادرة من داخلك؟ من أعضائك….معدتك، قلبك ورئتيك، أو حتّى من الدّم المتدفّق في أوردتك ؟
هناك طريقة للقيام بذلك ، قم بزيارة مختبر أورفيلد في مينيسوتا المتواجد بالولايات المتحدة الأمريكية، والمعروف باسم الغرفة الأكثر هدوءًا في العالم ،هذه الغرفة التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية تم بناؤها لتكون معزولة عن الضوضاء بما يقدر بـ 99.99% ، حيث بنيت بجدران سميكة من الألياف الزجاجية، وجدران من الصّلب مزدوجة العزل محاطة بـ 30 سم من الخرسانة، إضافة إلى ذلك جدران الغرفة مغطاة بمواد عازلة خاصّة .
يتم في هذه الغرفة تنفيذ تجارب تتعلق بالصّوت ، كما تجرى بها بعض الاختبارات التي يتعرض لها رواد الفضاء في وكالة ناسا أيضًا.
وتخلق الغرفة هدوءًا مجنونًا حيث قدرت شدّة الصّوت فيها بـ 9 ديسيبلdB)) مع العلم أنّ شدّة الصّوت في الغرف الهادئة المعروفة عادةً هي 60 ديسيبل dB)) وعتبة السّمع للأذن البشرية هي 0 ديسيبل dB))، ولهذا فالحد الأقصى للبقاء في الغرفة هو 45 دقيقة لا أكثر بل يستحيل البقاء فيها لمدّة أطول .
قد يكون من المفاجئ سماع أصوات أعضائنا في الوهلة الأولى، إلا أنه يصبح مؤلمًا مع مرور الوقت، إذْ لا يمكننا العيش في غرفة تتعارض مع طبيعتنا ،فجميع أعضائنا وأنظمتنا تمّ إنشاؤها في تناغم مع عوامل مثل الصّوت والضّوء والحرارة في العالم الخارجي ،على سبيل المثال رؤيتنا متوافقة بين خلايا عيوننا وأشعّة الشّمس.
إنّ آذاننا حساسّة للأصوات ذات التردّد المنخفض، ولكن الله منحنا القدرة على السّماع حسب الحاجة ويمكننا تصّور الأصوات ذات الترددات بين 20 و 20,000 هرتز، وبهذا لا نسمع ولا ننزعج
من دبيب النمل على الأرض أو تحليق الطّيور بأجنحتها في السّماء.
تصعب الحياة جدًا إذا سمعنا باستمرار الأصوات القادمة من أعضائنا أو الهمهمة الناتجة عن تدفق الدّم في أوردتنا ،ففي الواقع لدينا نظام سمعي استثنائي. حتّى في بيئة مزدحمة بالعديد من الأصوات المختلفة، يمكننا التّركيز على صوت واحد وسماعه ،كما هو حال قائد أوركسترا الذي يميّز في وقت واحد بين أصوات 28 آلة موسيقية مختلفة ، والتّركيز على صوت معيّن وتفقد الأخطاء.
أظهرت التجارب العلمية أن للأذن قدرة على التّمييز بين صوتين مع اختلاف 10 آلاف جزء من الواحد بين تردديهما ، ولكل كائن حي قدرة استماع وفقًا لاحتياجاته ، فمثلا يمكن للخفافيش تصور الأصوات بين 716 هرتز و113,000 هرتز، والبومات بين 200 هرتز و 12,000 هرتز، وحمام بين 1 هرتز و 4,000 هرتز، وبطاريق بين 100 هرتز و 15,000 هرتز، وحيتان بين 15 هرتز
و 3,000 هرتز.
في حين أن الدلافين لديها حاسّة شمّ وبصر ضعيفة، لكن سمعها أكثر دقة بكثير،باستخدام نظام مشابه لجهاز “الصونار” المعطى للدلافين، يمكن سماع الأصوات من عدة كيلومترات بسهولة.
تنتشر هذه الأصوات التي لا تستطيع الأذن البشرية تصوّرها على شكل أمواج في الماء ،إذا تعرضّت هذه الأمواج الصّوتية لعقبة فإنها ترتد ، و الوقت الذي يستغرقه الصّوت للذّهاب وضرب سمكة أو صخرة والعودة يُظهر المسافة التي تفصل بين الفريسة أو العقبة.
أنعم الله سبحانه وتعالى على جميع الكائنات الحيّة بالأعضاء والأنظمة المناسبة ،حتى تتمكّن من العثّور على رزقها وحماية نفسها من الهلاك والعيش في بيئة هذا العالم.